في الفردية ضعف
محمد راتب النابلسي
من الأخلاق المذمومة : الأَثَرة ( الأنانية ) :أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس الأخلاق المذمومة انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال :(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه))[ متفق عليه ]
1 – تعريف الأثرة :
والخلق المذموم اليوم الأثرة ، الأثرة بالتعبير المتداول الأنانية ، لكن لأن الأدوات لا ينسب إليها ، أنا أداة ، لا يقال : أناني ، يقال : يحب الأثرة ، يؤثر نفسه على من حوله .
أيها الإخوة ، من أدق تعريفات الأثرة : أن يختص الإنسان ، أو أن يخص الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيوية ، ويستأثر بذلك فيحجبه عمن له فيه نصيب ، أو هو أولى به ، منافع ، مكاسب ، مراكز ، مكتسبات ، ميزات ، خصائص يخصها لنفسه ولمن حوله ، ويستحقها آخرون ، أو هي من حق الآخرين ، هذه هي الأثرة .
2 – صور للأثرة في واقع الناس :
المعلم يجب أن يعين في هذا الصف عريفاً ، فاختار أحد أقربائه ، وهو أقل الطلاب اجتهاداً ، وأكثرهم انحرافاً ، فلما خصه بهذا المنصب كان قد آثر قريبه على من هو أولى بهذا العمل .
الحقيقة أنه ما لم تكن هناك قواعد موضوعية في إعطاء المكاسب ينهار المجتمع ، من ولى واحداً على عشرة ، وفي الناس من هو أرضى منه لله عز وجل فقد خان الله ورسوله ، أنت حينما تؤثر منفعة لإنسان لا يستحقها أو لإنسان ترجو منه الخير، وتخاف منه الشر ، وتمنعها من إنسان هو أحق بها فقد وقعت في خطر كبير ، بل ربما وقعت في خيانة .
3 – أضرار الأثرة على المجتمع :
إذا شاعت الأثرة في مجتمع تفتت ، وفقد تماسكه ، والحديث النبوي الشريف :عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))[ البخاري ]
حينما تعطي الفقير حقه ، وتعطي المريض حقه ، وتعطي المظلوم حقه ، وتعطي المشرد حقه ، وتعطي الجاهل حقه تعلمه ، أنت حينئذٍ تسهم في بناء مجتمع ، في بناء مجتمع لا يخرق ، وخرق المجتمع سهل جداً إذا كان مفككاً ، إذا كان فيه ظلم اجتماعي ، إذا كان فيه حقوق لا تؤدى ، حاجات لا توفر ، فلذلك الأثرة أحد أكبر مظاهر العصر الذي نعيشه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَكُونُ مِنْ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ ، فَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ أَوْ قَصُرَ عُمْرُهُ عَاشَ سَبْعَ سِنِينَ ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ... ))
[ أحمد]
تسعون بالمئة من ثروات الأرض بيد عشرة بالمئة من سكان الأرض ، عشرة بالمئة ينفقون نفقات تفوق حد الخيال ، وتسعون بالمئة يعانون من ألوان البؤس والفقر والقهر ، والمرض والجهل والجوع .
الطبع يتناقض مع التكليف :
كلكم يعلم أن الطبع يتناقض مع التكليف ، قال تعالى :
? فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ?
[ سورة النازعات ]
آثر الحياة الدنيا .
بالمناسبة أيها الإخوة الكرام ، هناك آيات أنا أقول إنها قاصمة الظهر ، قال تعالى :
? قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ?
[ سورة التوبة : 24]
لا مسامحة في حقوق العباد ، فاحذروا :
لمجرد أن تؤثر بيتاً مريحاً ، وأن تغتصبه بقوة القانون ، وأن تمنعه صاحبه فأنت قد وقعت في هذه الآية ، وصار الطرق إلى الله ليس سالكاً ، لمجرد أن تأخذ ما ليس لك ، أو أن تمنع الذي للآخرين فأنت متلبس بخلق الأثرة ، أدِ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك ، أدِ الحقوق .
أيها الإخوة الكرام ، إن إنسانا ضحى بحياته ، هل في الإنسان أغلى من حياته ؟ جاد بنفسه ، وقع شهيداً قي سبيل الله ، فكان عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابه : أعليه دين ؟ فإن قالوا : نعم ، يقول : صلوا على صاحبكم ، يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة .
أنت بخير إن لم تغتصب مالاً ، أنت بخير إن لم تبنِ مجدك على أنقاض إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ غناك على إفقار إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ عزك على إذلال إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ أمنك على إخافة إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ حياتك على موت إنسان ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ))
[ البخاري ]
قبل أن تعمل الصالحات ، وقبل أن تجتهد في الطريق إلى الله أدِ الذي عليك ، وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام .
(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))
[ الجامع الصغير عن أنس ، وفي إسناد مقال كبير ]
قبل أن تفعل الخيرات أدِ الحقوق ، أحب ما تقرب العباد إلى ربهم أداء الحقوق ، أداء الفرائض ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))
[ أبو داود ]
الآيات القرآنية الواردة في موضوع الأثرة :
أيها الإخوة الكرام ، الآيات الواردة في الأثرة :
الآية الأولى :
? فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ?
[ سورة النازعات ]
أحياناً تكون في بيت ، والقانون إلى جانبك ، لكن الحق ليس إلى جانبك ، تعتمد على قوة القانون ، وتؤثر البقاء في هذا البيت على أن تعطيه لصاحبه الذي هو في أمس الحاجة إليه ، هذا من الأثرة .
الآية الثانية :
? قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ?
[ سورة الأعلى]
الأحاديث النبوية الواردة في موضوع الأثرة :
الحديث الأول :
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ قَالَ : قُلْتُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ :
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ?
قَالَ : سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ـ أثرة ـ وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ فَعَلَيْكَ خُوَيْصَةَ نَفْسِكَ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ ))
[ ابن ماجه ، الترمذي ، أبو داود ]
قد نعيش نحن في زمن صعب كهذا الزمن ، شح مطاع ، مادية مقيتة ، وهوىً متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، مادية متعلقة بالمال ، وشهوة طاغية متعلقة بالجنس ، وكبر ، وصف جامع مانع لهذا العصر ،
(( إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ))
ـ لك موقف ، الزم بيتك ، عليك بخاصة نفسك ، خذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، دع عنك أمر العامة ، لأن النجاة أولى ، هذا معنى قول الله عز وجل
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ?
[ سورة المائدة : 105]
الحديث الثاني :
عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ يعني عيّني بوظيفة ، كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا ، قَالَ :
(( سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ))
[ متفق عليه ]
الحديث الثالث :
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أضف تعليق
|