المشرف العام
التنمية الذاتية
الصحبة عامل نجاح لا فشل
 
تمت الإضافة بتاريخ : 24/02/2022م
الموافق : 22/07/1443 ??

الصحبة عامل نجاح لا فشل

ليلى حمدان

كونَ الصحبة من أهم أسباب الانحراف أو الالتزام فقد ارتأيتُ تخصيص هذه الصفحات لتسليط الضوء على أهمية التخلص من صحبة السوء والحفاظ على صحبة الصالحين، كيف يمكننا أن نجعل الصحبة عامل نجاحٍ لا عامل فشلٍ وتخبطٍ وعبثٍ وتيهٍ.

 

 يشتكي أكثر الملتزمين من عَلاقاتٍ قديمةٍ لا يمكنهم التخلص منها بسهولةٍ لأنها رَبِيَتْ معهم…  تعلقتْ بهم ومع الأسف كانت شريكةً لهم في الغفلة والبعد عن طريق الالتزام، بل قد تكون السبب الأول في انحراف المرء وانحداره في قاعٍ يصعب عليه الخلاص منه، لقوة تأثير هذه الشخصيات سلبًا فيه ولقدرتها على التغلغل في نفسه فتحرفها كما تشاء وتثبطها المدةَ التي تشاء، تُهوّن في العيون الذنب وتعمل على تقسية القلب وهي مع الأسف تعيث في الأرض فسادًا باسم الصداقة والصحبة القديمة…

 

وإني أدعوك لتَدَبُّر  قول الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا)، [1] لتنظرَ بنفسك كيف يجني عليك الصديقُ الفاسدُ الهلاكَ وخسارة الدنيا والآخرة، كيف أن الله حذرنا من صحبةٍ لم تكن لله ولم تأخذ بيدنا إلى طريق الله… في حين بسَط لنا وصفًا رائعًا للصاحب التقي النقي الصالح الذي يعيننا على تكاليف الثبات بل وحثَّنا على إيجاده والحفاظ عليه فقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [2] إن الأمر في هذه الآية شديد الوضوح، الالتزام بصحبة الأخيار ونبذ أي صحبةٍ مهلكةٍ لا تعينك على طريق الله.

 

لا تقل لي أنك تفتقد الحزم اللازم للابتعاد عن صديقٍ قديمٍ فاسدٍ! إن ما ترنو إليه لا يمكن أن يُباع بثمنٍ بخسٍ، إن ساعات اللهو والضحك والسخرية التي اعتدتها مع ذلك الصاحب الغافل، قد أدَّت بقلبك للقسوة، ثم قد حرمتْكَ لذة العبادة والإنابة ووصال السماء! فهل تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ؟! إن لم تحزِم أمرك اليوم فلن تحزمه أبدًا، وأنت الآن أمام خيارين تُثبِت بهما قوة شخصيتك وصدق عزمك ونيتك، إما أن تواجه هذا الصاحب بقوةٍ وتدعوَه لطريق الالتزام وتجعله شرطًا لاستمرار علاقتكما، أو أن تبتعد عنه تمامًا وتتحرى قطع كل وصالٍ بينكما يَشغَلُك عن أهدافك السامية، ولماذا هذان الخياران تحديدًا، لأننا ننتظر ردة فعلٍ مِن هذا الصاحب حتى لا نظلمه، فإن كان فيه بعض الوُدِّ و الخير لك سيستجيب لصحبتك وستصبح أنت المؤثر فيه اليوم، أنت الذي ينقذه من براثن الغفلة والتيه والعبث، وهنا تستغل تأثيرك في خيره وصلاحه، وليس كما كان من قبلُ، يستغل تأثيره عليك في بؤسك وشقائك! وثمَّ إن لم يكن فيه خيرٌ ولا ودٌّ يحمله بصدقٍ إليك فسيصبح عدوًا لدودًا بل محارِبًا ومتربصًا بك، وحينها خير ما تعالجه به هو هجرانه الهجران الجميل، فإما أن يحترم التزامك وإما أن يُجبَر على احترامه بالحزم.

 

ثم احرص على مَلء فراغه الذي كان يملأُه بتأثيره المثبِّط، وذلك بحسن الاختيار لصديقٍ صالحٍ، ابحث عنه في ميادين العلم والدعوة والمسابقة في الخيرات في ساحات الجِد والعمل والصدق مع الله، في الأرض أو على الإنترنت، المهم في وسط الصلاح.

 

واحرص على حفظ علاقتك الثمينة مع الطيبين وأصحاب الهمم، وهذا الفن في الاحتفاظ بالأصدقاء الصالحين لا يجيده كثيرٌ من الناس ولأهميته وأولويته تخصيصًا وتفصيلًا لعله وعسى يكون من أسباب سعادتك ورقيِّك على عكس ما كانت عليه صحبة السوء في أسباب تأخرك وانحدارك.

 

ستصادف يومًا في طريقك من حمل ذات الهم والهدف أو على الأقل درجة الصلاح التي تؤهله لصحبتك، وقد تنجح في صناعته بنفسك حين تدعو صاحبًا قديمًا ويتأثر بدعواك فيلتزم ويسير معك بِرضًى وندمٍ على ما فات. وما يُدريك أن يكرمك الله فتفوزُ ببضعة أصحابٍ صالحين بدل صاحبٍ واحدٍ، وحينها عليك بحمد الله وحفظ هذه الصحبة.

 

وقد جُبلت النفوس البشرية على التعارف والتآلف، فإنْ تعاونوا على الإثم والعدوان أبغض بعضهم بعضًا، وإن تعاونوا على البر والتقوى تحابوا بينهم وتوادُّوا، ولهذا فخير ما تحفظ به صحبتك الصالحة عملٌ صالحٌ يشغَلكما، عملٌ طيبٌ  تتقربان به من الله سبحانه وتعالى بإخلاص النية لله، قد يكون تعلم علمٍ معَينٍ أو قراءة كتابٍ، أو ممارسة رياضةٍ معينةٍ أو هوايةٍ مفيدةٍ، قد يكون مساعدةً مبرمجةً لأهل الحاجة، قد يكون تعاونًا على الإنفاق في سبيل الله، أو  كفالة يتيمٍ أو التخطيط لمشروعٍ مميّزٍ، وأضعف الإيمان أن تترافقا في الطريق إلى المسجد لأداء الصلوات… المهم أن تشتركا في عمل عبادةٍ، أو تطوعٍ خيريٍّ يبارك الله به لكما ببركما وتقواكما، فتكون صحبتكما مثمرةً، ثم للحفاظ على هذه العلاقة، لابد أن تُبعِدا عن طريقكما كل غِيبةٍ ونميمةٍ وصفاتٍ ذميمةٍ و(من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه) [3] ، انشغِلا بالخير والعلم والعبادة أو اللهو المباح، وإياكم والانشغال بأعراض الناس وعيوب الناس وأخطاء الناس، فما رأيت أشد إهلاكًا للعلاقات من الخوض في هذا الباب، ويحضرني هنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من تَتَبَّع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه[4] ” ثم إن الاستدراج من الشيطان يبدأ من الحديث عن الناس، ليشغل وقتكما الثمين في خسارة الحسنات فقاوِماه ولا تفتحا له الباب أبدًا، ولْيُذكِّر أحدكما الآخر، ما لهذا اجتمعنا، بل إن أهدافنا ومشاغلنا أرقى من أن نتفرغ لمثل هذه الاهتمامات  المُهلكة.

 

احفظ لصاحبك قدْرَه من الاحترام واستعمل معه الألفاظ الحسنة تكسوها المودة والرحمة، لا تغْلُ في الفكاهة حتى كسر حاجز الاحترام والتقدير بينكما، فالشيء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده، احفظ هيبة المحبة والثقة، فإن رباط الثقة أهم ما يجب حفظُه في علاقةٍ بين اثنين نرجو لها أن تدوم، اكتُم أسراره، اصدُقْه القول والنصيحة، احفظه في الغيب كما تحفظه في الحضور، احفظ أشياءه وإياك وأماناتِه أن تضيع، كن كريم النفس، سخيًا جوادًا معه، فلْيجدك حين يحتاج إليك، ولا تنسَ الوصفة السحرية لتوطيد أواصر المحبة (تهادوا تحابوا[5]) فإنها تؤلف القلوب وتقوي العلاقات وتجمع بحبٍّ الأصدقاء…

 

تجاوز عن زلاته وارحم عثراته، ألا تحب أن يغفر الله لك؟! لا تدقق في خصوصياته لا تراقبه مراقبة الجاسوس أو الفضولي، دع علاقتكما تنساب بانسجام، وإياك وفتح باب الحسد أو الغيرة أو الحقد، فإن الله يؤتي فضله من يشاء، يمكنك أن تغبطه ولكن لا تحسده، يمكنك أن تسأل الله من فضله ولكن لا تتضايق لخير يصيبه، وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [6]واحذر فظاظة الطبع، فلو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فإن نصحتَ فبرفقٍ وإن دعوت فبحلمٍ، وأمسك نفسك عند الغضب، فإن الغضب من أكثر الأبواب التي يستغلها الشيطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصُرَعَة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) [7] كن خفيف الظل دَمِثًا لا يُثقِل في الزيارة، سريع البداهة يسعى لراحة رفيقه قبل راحته، تحسس حاجاته وفرج عنه كرباته إن استطعت، اعتذر منه وعوضه إن أخطأت بحقه، تصدَّق عن نفسك وعنه وادع لنفسك وله، تعلَّم فن الحب في الله وعلِّمه أنه من أسباب دخول الجنة والدخول في صف الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله…

 

قال الأوزاعيّ-رحمه اللّه-: سمعت بلال بن سعد بن تميمٍ، يقول: أخٌ لك كلّما لقِيَك ذكّرك بحظّك من اللّه خيرٌ لك من أخٍ كلّما لقيك وضع في كفّك دينارًا.

 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “عليك بالصدق ولو قتلك واحذر صديقك إلا الأمين”

 

فكن أنت هذا الصديق وكما قيل من قلَّ صدقه قلَّ صديقه، ولكن احذر…!

 

لا يعني أن تحسن لصاحبك أن تجعله مقدسًا… إنْ فسدَ أو انحرفَ انكسرتَ وانحرفتَ وفقدتَ الأمل في الحياة، بل اجعل إحسانك له وصدق مودتك لله خالصةً، احتسبها قربى لله وفي سبيل الله لا قربى له وفي سبيله هو!  فقد يتغير الصاحب مع الأيام أو يخون أو يتبدل، فحينها لا تلُمْ نفسك واسأل الله أن يعوضك خيرًا منه، ولْيكن عزاءَك كلماتُ المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا، بل هذا الإحسان امتحان صدقٍ، إما أن يصدُقَ فيكونَ الكريمَ ويستحقَّ بجدارةٍ لقب الصديق الأمين، أو أن يكون اللئيمَ فيستحقَّ بجدارةٍ أن لا تأسف عليه! وتذكَّر أن صداقته كانت بهدف القربى من الله وليس منه، فإن فشلْتَ فلا تحزن ولا تبتئس فكل شيءٍ ما خلا الله باطلٌ، (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [8] فامضِ في طريقك وأحسن الظن بربك يمُن عليك بخير أُنسٍ وخير صحبةٍ.

 

الحديث عن الصداقة حديثٌ ذو شجونٍ يدعو للاسترسال والإطالة، ولكنني أتوقف هنا وأسأل الله أن يسخِّرَ لك خير صديقٍ وفِيٍّ، وأن يجعلك أيضًا ذلك الصديق الوفِيّ فترتقيان معًا وتحلّقان في فضاء السعادة معًا! وتستمر صفحاتنا…

__________________

الهوامش

[1]  الفرقان (27-29)

 

[2]  الكهف 28.

 

[3] رواه مالك في الموطأ والترمذي وابن ماجة وقال البخاري لا يصح إلا عن علي بن الحسين مرسلا. وكذا قال الإمام أحمد ويحيى بن معين والدارقطني.

 

[4]  حسن صحيح قل الألباني في سنن الترمذي برقم 2032

 

[5]  حديث حسن أنظر صحيح الجامع.

 

[6]  متفق عليه.

 

[7]  أخرجه البخاري رقم 6114 ومسلم رقم 107 كتاب البر والصلة.

 

[8]  آل عمران 140.

 

         أضف تعليق