الشباب وعلو الهمة
احمد محمد محروس
العلو لغة واصطلاحًا:
العلو لغة:
العلو: عكس السفل. والعلو: الارتفاع[1]. ويأتي بمعنى: الذروة[2]، والشرف[3].
العلو اصطلاحًا:
يستعمل لفظ العلو في الأمكنة والأجسام أكثر، وفي المحمود والمذموم، ثم أصبح على، لا يستعمل إلا في المحمود[4].
الهمة لغة واصطلاحًا:
الهمة لغة:
الهم: ما هم به الإنسان في نفسه وأهمني الأمر. أي: دفعني على أن أهم به[5]، ويقال: إنه لعظيم الهمة، وإنه لصغير الهمة[6]، "وقيل أنها: خصت بالإرادة. فالهم مبدؤها. والهمة نهايتها"[7].
الهمة اصطلاحًا:
ويقصد بها: توجه القلب بكل قواه الإيمانية إلى جانب الحق؛ لحصول الكمال له أو لغيره[8].
علو الهمة عند الأنبياء - عليهم السلام -:
كان يوسف - عليه السلام - ذا همة عالية؛ فطلب من الملك أن يجعله على خزائن مصر، قال تعالى:? قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ? [9].
وكانت همة سليمان- عليه السلام- في الملك؛ فطلب من الله- عز وجل- ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، قال تعالى: ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ? إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ?[10]، "وكان طلبه؛ ليعلم أن الله- عز وجل-قد غفر له، ويعرف منزلته عند الله بإجابة دعوته"[11].
وكانت همة موسى-عليه السلام- في العلياء؛ فطلب من الله- عز وجل- "طلبا عظيما يدل على همته العالية، قال تعالى: ? قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ?"[12][13].
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حريصا على ترديد القرآن بسرعة، وبهمة عالية خلف جبريل- عليه السلام-، "وكان لا يفتر- صلى الله عليه وسلم- من قراءة القرآن خشية أن ينساه".[14] فأنزل الله - عز وجل- ? لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ?[15]، وكانت همته - صلى الله عليه وسلم- تتوق إلى أن ينزل الوحي عليه كثيرا ؛ فسأل جبريل- عليه السلام-، أن يزوره أكثر مما يزوره، ويخبرنا عبد الله ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي-عليه السلام- قال يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل:? وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ?[16][17].
وعن همته - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد يقول أبو هريرة (رضي الله عنه)، سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل"[18].
القرآن الكريم يدعو المؤمنين لعلو الهمة:
دعا القرآن الكريم المؤمنين إلى علو الهمة في الأعمال الصالحة، قال تعالى:? فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ?[19]، وقال تعالى:? وَسَارِعُوا إِلَى? مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ?[20].
ويقول ابن القيم: "وهمة المؤمن إذا تعلقت بالله-عز وجل- طلبا صادقا خالصا محضا. فتلك هي الهمة العالية".[21]، "وعلى المؤمن أن يوجه همته لعلو الدين"[22].
ويمدح القرآن الكريم رجالا لم تشغلهم تجارتهم، ولا بيعهم عن عبادة الله- عز وجل-؛ لهمتهم العالية، قال تعالى: ? رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ? يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ?[23]، وآخرون دعتهم المضاجع للنوم والراحة، ولكنهم رفضوها مع نعومتها، واحتياجهم لها، يدعون ربهم خوفا وطمعا، قال تعالى: ? تَتَجَافَى? جُنُوبُهُمْ عَنِ ?لْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَ?هُمْ يُنفِقُونَ ?[24] وكان الجزاء على قدر الهمم، قال تعالى: ? فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ?[25]أي: "فكان الجزاء من شيء نفيس تقرّ به أعينهم وتسرّ"[26].
علو الهمة عند شباب الصحابة (رضوان الله عليهم) أجمعين:
"كان شباب الصحابة (رضوان الله عليهم) أجمعين يتأسون بسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه):
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى، فقلوبنا
به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع"[27]
وأوصلتهم همتهم إلى العلياء؛ فيسلم علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو ابن ثمان.[28]، وقيل ابن عشر سنين.[29]، ودعت همة أرقم بن أبي الأرقم؛ لأن يفتح داره للدعوة في أول الإسلام.[30]، ويتعلم زيد بن ثابت لغة اليهود في نصف شهر.[31]، وأمثالهم- في العمر- من شبابنا همته في متابعة الفنانين، واللاعبين، وأصحاب القمم العالية في الثقافات الهابطة، ويشقون بمتابعتهم ليلا، ونهارا، ويتلقفون أخبارهم سرًا، وجهارًا، وهناك من ينتمون لمن لا ينتمون لهم دينا، ولا خلقًا.
ولقد دفعت همة ربيعة بن كعب الأسلمي (رضي الله عنه)، أن يقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-،: "أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار"؛ لما قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-"سلني يا ربيعة أعطك"[32].
ولما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يتصدقوا: "يأتي أبو بكر (رضي الله عنه)، -بهمته العالية-بكل ما عنده، - وبعضنا يبخل بالدرهم، والدينار- فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله"[33].
ويسلم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ويقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-" اخرج يا رسول الله".[34] -ما هذه الهمة؟ من أول يوم في إسلامه-. يقول ابن مسعود (رضي الله عنه): "كان إسلام عمر فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمارته رحمة. لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا".[35]، ولما ولي الخلافة، قال: ورب الكعبة لأحملنهم على الطريق"[36].
ولما ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-"السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، انتهز عكاشة بن محصن (رضي الله عنه)، الفرصة بهمته العالية، وسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" قائلا: " أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: "نعم"[37].
وبلغت همة عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) في العلم إلى أن لقبه العلماء:" بالبحر، والحبر، وترجمان القرآن".[38]، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد دعا له، بقوله: " اللهم فقهه في الدين"[39].
"ومن سمت همته إلى المعالي طلب العز والشرف[40].
______________
[1] مجمل اللغة، ابن فارس (625).
[2] كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، التهانوي (1 /823).
[3] الصحاح، الجوهري (4 /1379).
[4] التوقيف، المناوي (246).
[5] المفردات، الراغب (845).
[6] تهذيب اللغة، الهروي (5 /248).
[7] مدارج السالكين، ابن القيم (3 /5).
[8]التعريفات، الجرجاني (257).
[9] يوسف (55).
[10] ص (35).
[11] زاد المسير، ابن الجوزي (3 /575).
[12] الأعراف (143).
[13] روح البيان، حقي (2 /307).
[14] الكشف والبيان، الثعلبي (10 /87).
[15] القيامة (16-18).
[16] مريم (64).
[17] أخرجه أبو نعيم في الحلية (4 /298)، وينظر: مدارك التنزيل، النسفي (2 /344).
[18] أخرجه البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: تمني الشهادة (4 /17) ح (2797).
[19] البقرة (148).
[20] آل عمران (133).
[21] مدارج السالكين، ابن القيم (3 /6).
[22] روح البيان، حقي (2 /307).
[23] النور (37).
[24] السجدة (16).
[25] السجدة (17).
[26] تفسير المراغي (21 /110).
[27] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (6 /324).
[28] سير أعلام النبلاء، الذهبي (227).
[29] الاستيعاب، ابن عبد البر (3 /1093).
[30] الاستيعاب، ابن عبد البر (1 /131).
[31] البداية والنهاية، ابن كثير (4 /105)، والاستيعاب، ابن عبد البر (2 /538).
[32] أخرجه أحمد في المسند، مسند: المدنيين، حديث: ربيعة بن كعب (27 /118) ح (16579)، وينظر: أسد الغابة، ابن الأثير (2268).
[33] أخرجه الترمذي، أبواب: الفضائل، باب: فضائل الصديق (5 /614) ح (3675).
[34] الطبقات الكبرى، ابن سعد (3 /203).
[35] الطبقات الكبرى، ابن سعد (3 /204).
[36] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي (4 /135).
[37] أخرجه البخاري، كتاب: الطب، باب: من لم يرق (7 /134) ح (5752)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (1 /199) ح (220).
[38] شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد (294).
أضف تعليق
|