المشرف العام
التنمية الذاتية
تربية الإرادة.. معوقات وحلول
 
تمت الإضافة بتاريخ : 30/12/2021م
الموافق : 26/05/1443 ??

تربية الإرادة.. معوقات وحلول

كثيرٌ من الناس توقّفوا عن إكمال مشروعات كانت حلمًا لهم في يوم ما، وآخرون لم تسعفهم عزيمتهم للإقلاع عن خلقٍ سيء داوموا عليه، وثُلة ليست قليلة أصبحت أعمالهم رُوتينية، بلا هدفٍ أو رؤية.

 

ولقد اهتم الإسلام بتربية الإرادة في نفوس أتباعِه، وبيّن ثواب الأعمال كدافعٍ تحفيزي للاستمرار فيها، والوصول إلى رضوان الله، وفي الوقت ذاته أشار إلى نقاط الضعف، وكيف يشحذ المسلم همته إذا فترت، ويُقوّي من عزيمته التي ضعفت.

 

مفهوم الإرادة

 

وتُعرّف الإرادة بأنها الحافز الذي يدفع الإنسان نحو هدفه دون كسلٍ أو تقاعس مهما اعتراه من عقبات أو معوقات.

 

وجاء في معاجم اللغة أن إرادة مصدر أراد، وهي تصميمٌ واعٍ على أداء فعل معين قويّ، وقُوَّة الإرَادةِ تعني: المثابرة على القيام بعمل ما برغم العوائق والمصاعب التي تعترض القائم بهذا العمل (معجم المغني).

 

ويُعبّر هذا المفهوم عن سيطرة الشخص على تصرفاته واندفاعاتِه أو كما تُعرف بالتحكم الذاتي، أو ضبط النفس حيث تمكّن الشخص من التحكم في سلوكه وعواطفه واهتماماته (1).

 

والعزيمة إحدى مرادفات هذا المفهوم، وهي عبارة عن مصطلح وردت مادته (العزم) ومشتقاتها في القرآن في تسعة مواضع، وفي اللغة عبارة عن إرادة مؤكدة، قال الله تعالى: {ولم نجد له عزما} [طه:115]، أي لم يكن له قصد مؤكد في الفعل بما أمر به.

 

وقال الطبري: "أصل العزم اعتقاد القلب على الشيء"، وقال ابن عاشور: "العزم هو إمضاء الرأي، وعدم التردد بعد تبين السداد"، أمّا ابن الأثير، فقال: العزيمة هي ما وكدت رأيك وعزمك عليه، ووفيت بعهد الله فيه".

 

كما قال الخليل: العزم، ما عقد عليه القلب من أمر أنت فاعله، أي متيقنه. ويقال: ما لفلان عزيمة، أي ما يعزم عليه، كأنه لا يمكنه أن يصرم الأمر، بل يختلط فيه ويتردد (2).

 

الإرادة في القرآن

 

يقول الدكتور محمد عثمان حلس: وردت مادة "راد" واشتقاقاتها في القرآن (132) مرة، وفي (45) سورة، منها (32) سورة مكية، و(13) مدنية.

 

واختلفت معاني الإرادة التي ذكرها القرآن الكريم سواء كانت إرادة ومشيئة ربّانية، أو هِمة تحفيزية دينية لبني البشر، فيقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]. وقال تعالى: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].

 

وقال عز وجل: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف:171]. وقال تعالى: { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115].

 

وقال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى? لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَ?ئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء:20].

 

كما قال، جل وعلا: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27].

 

بل ذكر أن للشيطان إرادة في إغواء بني آدم، ولن يستسلم، فقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:91] (3).

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، ولا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِنِي؛ فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ له" (البخاري).

 

كيف اهتم الإسلام بالإرادة؟

 

رغم أن الكون بيدي الله - سبحانه وتعالى - وأنه يعلم مقاليد الأمور، ترك أمورًا لحريّة الإنسان وإرادته، فقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 7- 10].

 

وقال - عز وجل -: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3]، لكن الله وضع المحفّزات أمام كل إنسان، ليسْلك طريق الحق والإيمان، كما وضّح - سبحانه وتعالى - النعيم في الدنيا وراحة البال في الآخرة.

 

وشجّع الإسلام الإنسان للعمل على تقوية عزيمته وهمّته بالصبر على الطاعات، واجتناب المنكرات وملذّات الدنيا، فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]، وذكر الإمام القرطبي في الجامع لعلوم القرآن "طلب العلم فضيلة عظيمة ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل".

 

نماذج من قوة الإرادة

 

يُترجم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائمًا، تعاليم القرآن والسُّنة إلى أفعالٍ حقيقيةٍ ومضيئةٍ تسير عليها الأمة ويُربّى عليها الأبناء، ولقد حفل التاريخ بنماذج من علوّ الهمّة، منها ما قام به أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حينما تولّى الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أوّل مَن واجهه ارتداد معظم شبه الجزيرة العربية عن الإسلام، حتى لا يكاد يكون قد تمسّك بدينه إلا المدينة المنورة، وقليل من أهل مكة المكرمة، وتأزّم الأمر مع قلة وضعف الجيش الإسلامي، إلا أن الإرادة القوية عند خليفة رسول الله، أعادت الجزيرة العربية إلى دينها، وقذفت في قلوب الأعداء الرعب، حتى قالت عائشة رضى الله عنها "فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهَاضَهَا - أي: لَكَسَرَهَا بَعدَ جَبرِهَا".

 

وجهّز أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أحد عشر جيشًا، خرجوا جميعًا، لمواجهة المرتدّين وعادوا بنصرٍ مبينٍ رغم قلة العدد (4).

 

وهذا الصحابي الجليل زيد بن ثابت - وهو من كتاب الوحي المتميزين- يقول: "أمرَني رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ [أي: لغة يهود"، قالَ إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي، قالَ زيد: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم" (صحيح الترمذي).

 

ولقد سار التابعون على الدّرب، فتصدّى أحمد بن حنبل لفتنة خلق القرآن التي كادت أن تعصف بالدين، فظلّ متمسكًا بوقوة إرادته أمام الخلفاء العباسيين، حتى تكسرت الفتنة وتهشمت على صخرة عزيمته في عهد الخليفة المتوكل (5).

 

كيف ننمي إرادتنا؟

 

لن يستطيع المربّون تغيير خُلقٍ أو سلوكٍ، إلا إذا ربُّوا العزيمة في نفوس الناس أولًا، حتى ينبع التغيير من داخل كل فرد، ويمكن ذلك من خلال عدة أمور:

 

    فالإنسان الذي يُريد قيادة درّاجة أو سيّارة لا بُد مِن أن يمتلك إرادة لتعلمها، وهكذا جميع أمور حياتنا، ولتقوية هذا الجانب يجب أن يُعوّد المرء نفسه إيقاظ العقل وقوة الإرادة والشعور بالواجب، فهذا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمام الإغراءات التي ساقتها له قريش كان ردّه على عمّه في قوة وعزيمة (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته).

 

    عدم التّسويف والمماطلة، ووضع أهداف حقيقية واقعية واضحة يستطيع المرء تحقيقها حتى يصل إلى مُبتغاه.

 

    التدريب على قوة العزيمة وتصنيف المواقف والتصرفات التي يكون فيها الشخص قويا، والتي يكون فيها ضعيفًا، والتخلص من العادات السّيئة.

 

    تذكُّر الفوائد التي يسعد بها الإنسان من تحقيق إرادته، لذا عليه إعطاء نفسه مكافآت تشجّعه على التقدم" (6).

 

معوقات الإرادة

 

الاستسلام والوهن وضعف الإرادة لهم أسباب ومعوقات يأتي على رأسها:

 

    ضعف الإيمان والانغماس في الذنوب.

 

    الجهل وقلة المعرفة بقيمة الذّات واكتساب الخبرات في التعامل مع الصعوبات والأزمات.

 

    عدم وضوح الرؤى والأهداف ما يجعل تحركات الفرد عشوائية.

 

    ضعف الحافز الذي يدفع الإنسان إلى تنفيذ طموحاته.

 

    انتشار الظلم وغياب العدل، وعدم تكافؤ الفرص.

 

    الحب أو الخوف المفرط في تربية الأولاد، والذي يغرس الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية.

 

    كبت المشاعر وعدم السماح للمشاركة وإثبات الذات (7).

 

أثر علوّ الهمة على المجتمعات

 

تعتبر قوة الإرادة سلم يرتقي عليه المرء نحو الكمال في كل مناحي حياته، بل لو نظرنا لآثارها على الأمة الإسلامية نجد أنها من أدوات الخلاص من التبعية للغرب والأمم القوية.

 

لقد حذّر القرآن الكريم من التخاذل وضعف العزيمة، فقال تعالى: {رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة:87]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـ?كِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46].

 

ويقول الدكتور عبد الرحمن كيجاور: "لا تنهض أمة ولا فرد ولا دولة اجتماعيًّا، وسياسيًّا، واقتصاديًّا، ونفسيًّا، وعسكريًّا، إلا إذا نهضت همم أفرادها ومجتمعاتها.. وإن سر تفوّق الغرب اليوم هو الفاعلية التي يتصف بها، ومن الخطأ الاعتقاد أن سقوط الغرب معناه –ضرورةً- صعود الحضارة الإسلامية؛ لأن هذا الاستلزام يتغافل نظرية السنن.

 

والحضارة لا تنتصر بالأماني والأحلام، وإنما بعلو هِمة أصحابها وفاعليتهم، ومنه لا بُد من تنشئة الإنسان عالي الهمة ليقع التغيير، وأن المقصد من الهمة بلوغ الكمال إلى منتهاه، وأنّ علو الهمة استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وطلب المراتب السامية" (8).

 

أثر ضعف الإرادة على الفرد والمجتمع

 

ولضعفِ الإرادة تداعيات سلبيّة، سواء على الفرد أو المؤسسات أو المجتمع، لخّصَها النبي، صلى الله عليه وسلم، ضمنيا في قوله: "وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت" (رواه أبو داود وأحمد).

 

فالفرد ضعيف العزيمة، لن يستطيع تحقيق نجاح في حياته أو وظيفته، أو الرخاء لنفسه أو لأهل بيته، ويتعايش مع رُوتين الحياة بحيث يقضي حياته فحسب، وربما يخلو من عناصر الإبداع أو التفكير أو التطوير، وسيظل طول حياته يعيش في الوِديان، ولا يقدر على تسلق جبال التقدم.

 

وينطَبع ضعف العزيمة على المجتمع فيصيبه بالوهن وربّما التخلف وعدم التقدم، وسيطرة الجانب المادي على أفراده، وانتشار الظلم والتبعية، وزيادة الانحطاط الخُلُقي، وانتشار الفوضى والإباحية الجنسية، وانتشار الخمور والمخدرات والجرائم.

 

وصَدَقَ الرئيس الراحل محمد مرسي حينما قال: "من لا يملك قوت يومه، لا يملك قراره"، و"من ينتج سلاحه يملك استقلاله"، و"يجب أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا".

 

تربية الإرادة في فكر ابن القيم

 

تميّز الإمام ابن القيم بتعدّد العلوم والفكر، وترك تراثًا عظيمًا لأبناء الأمة الإسلامية في مختلف المجالات، منها ما كتبه عن العزيمة وأهميتها فقال: لمّا كان في القلب قوّتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب. كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحِه وسعادته. فكماله باستعمال قوة العلم في إدراك الحقّ، ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة العزيمة والمحبة في طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق فهو ضالّ، ومَن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه. ومن عرفه واتبعه فهو مُنْعَمٌ عليه (9).

 

ويضيف مؤكدا المعنى: "واعلم أن الخاطِرات والوساوس تُؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيأخذها الفكر فيؤدّيها إلى التذكر فيأخذها الذكر فيؤدّيها إلى الإرادة فتأخُذها فتؤدّيها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة فردّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها" (10).

 

كيف اهتمت ونهضت الدول الغربية بقوة العزيمة؟

 

    أضف تعليق