فضائل صلاة الفجر
أولاً: هي أول الصلوات افتراضاً على المسلمين هي وصلاة العصر.. وكانت كهيئتها الآن: أي ركعتان.. وكذلك كانت صلاة العصر ركعتين، ثم زيدت صلاة العصر إلى أربع بعد الإسراء والمعراج.. وبقيت صلاة الصبح كما فرضت أول مرة..
ومعنى هذا أن المسلمين يصلون هذه الصلاة بهيئتها هذه، وفي موعدها هذا من أوائل أيام البعثة.. وهذا أمر لافت للنظر.. وكأنها صلاة لا يستغني عنها مسلم أو مؤمن في الأرض، فكانت من أوائل الشرائع التي نزلت على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم..
ثانياً: آذان الصبح مختلف عن بقية الصلوات..
فكما روى أبو داود عن أبي محذورة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه أن يقول في أذان الصبح بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم..
وقفوا أيها المؤمنون والمؤمنات أمام هذه العبارة العميقة..
الصلاة خير من النوم..
ما الذي يمنعك غالباً من إدراك صلاة الفجر؟! أليس النوم ولذته راحته وحلاوته؟
ها قد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرك ـ وهو الصادق المصدوق ـ أن صلاة الفجر خير من النوم مهما كان النوم في اعتباراتك هاماً ومفيداً!!
الصلاة خير من النوم..
إن كنت تصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وتدرك أن كلامه هو الحق الذي لا باطل فيه فليس هناك معنى لعدم الإتباع.. وإن كنت ترى أن النوم أفيد من الاستيقاظ وأفضل لظروفك وأنسب لحياتك فهذا شئ خطير يحتاج إلى وقفة..
القضية يا إخواني ويا أخواتي قضية إيمان!!
ثالثاً:. جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أذكاراً خاصة تقال بعد صلاة الصبح مختلفة عن كل صلاة.. فبالإضافة إلى ختام الصلاة المعتاد الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة، مثل التسبيح ثلاثاً وثلاثين والتحميد ثلاثاً وثلاثين والتكبير ثلاثاً وثلاثين والاستغفار والأدعية المختلفة الواردة.. فوق كل ذلك أضاف صلى الله عليه وسلم أذكاراً خاصة بصلاة الصبح ليست في غيرها من الصلوات..
فعلى سبيل المثال ما رواه الترمذي – وقال حسن صحيح – عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت، وهو على كل شئ قدير عشر مرات، كتبت له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه هذا كله في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله..
كذلك روى أبو داود والنسائي عن مسلم بن الحارث رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:
إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً من النار..
فهذه فضائل لا تقدر بثمن لا تحصل إلا بذكرها في هذا التوقيت..
رابعاً:. كان صلى الله عليه وسلم ـ وهو الذي كان عادة يأمر المسلمين بالتخفيف في الصلاة ـ يطيل في قراءة الصبح.. فكما روى مسلم عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح من المائة إلى الستين آية، وكان ينصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض.. بمعنى أن شروق الشمس قد اقترب حتى يستطيع أن يميزوا وجوه بعضهم البعض..
وواضح اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة الطويلة في هذه الصلاة بالذات، والتي تؤدي في وقت يكون فيه القلب عادة خالياً من هموم الدنيا ومشاكلها، كما أن المسلم يفتتح يومه بهذه الصلاة، فما أجمل أن يفتتح يومه بكم لا بأس به من الآيات الحكيمات..
وقد عبر الله عز وجل عن صلاة الفجر بكلمة [وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهوداً] وذلك لأن قراءة القرآن في هذه الصلاة تكون طويلة نسبياً عن بقية الصلوات..
خامساً: كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في يوم الجمعة في صلاة الصبح قراءة خاصة، فكان من سنته صلى الله عليه وسلم كما جاء في البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى بسورة السجدة، وفي الركعة الثانية بسورة الإنسان.. وهذا تميز لا يحدث في أي صلاة مفروضة أخرى اللهم صلاة الجمعة وهي صلاة متميزة أيضاً، وسيكون لنا حديث عنها في موضع آخر إن شاء الله..
سادساً: صلاة الصبح لا تقصر ولا تجمع!!
الظهر والعصر يقصران ويجمعان..
والمغرب يجمع مع العشاء ولكن لا يقصر، والعشاء تجمع وتقصر..
أما الصبح فمتفرد جداً.. لا يقصر ولا يجمع.. لا في سفر، ولا في حضر، ولا في حج، ولا في جهاد، ولا في خوف، ولا في غيره!!
وهذا ـ ولا شك ـ تميز يلفت الأنظار..
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المحافظين على صلاة الفجر المشتاقين إليها..
الخاصية الخامسة: وقت مشهود
عظم الله عز وجل من وقت الصبح في كتابه الكريم، فلم يقسم سبحانه وتعالى في كتابه بوقت صلاة إلا بوقت الصبح والعصر..
قال سبحانه: والفجر، وليال عشر..
كما أن هذا الوقت وقت مشهود.. والذي يشهده خلق عظيم من خلق الرحمن سبحانه وتعالى، وهم الملائكة!!
كل ملائكة السماء النازلة إلى الأرض تشهد هذه الصلاة!!
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
تفضل صلاة الجميع (الجماعة) صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: فاقرءوا إن شئتم إن قرآن الفجر كان مشهود
فتخيل يا عبد الله.. كيف رفع الله عز وجل من قدر هذه الصلاة حتى جعلها موعداً لالتقاء ملائكة الليل وملائكة النهار!!
ثم أن هناك زيادة في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أضاف شيئاً هاماً بالنسبة لملائكة الليل، وهم الذين يصعدون إلى السماء بعد شهود صلاة الفجر مباشرة..
قال صلى الله عليه وسلم:.
ثم يعرج الذين باتوا فيكم (ملائكة الليل) فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون
فانظر وتدبر إلى الفارق الهائل بين أن يقول ملائكة الرحمن لله عز وجل وجدنا فلاناً يصلي صلاة الفجر في جماعة، وبين أن يقولوا وجدنا فلاناً نائماً غافلاً ليس واضعاً الفجر في أولوياته، ولا مواقيت الصلاة في حساباته!!
فارق هائل!..
فانظر في أي الفريقين تحب أن تكون.. واختر لنفسك..
الخاصية السادسة: أنت في حفظ الله
وعدك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك إذا صليت الصبح فإنك ستكون في حفظ الله عز وجل سائر اليوم!!
أي منة.. وأي فضل!!
روى الإمام مسلم عن جندب بن سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله
أي في حماية الله.. وفي عهد الله.. وفي ضمان الله عز وجل..
وهناك زيادة للحديث في مسلم أيضاً وفي الترمذي وابن ماجة يقول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم واللفظ لابن ماجة:
فلا تخفروا الله في عهده..(يعني هذا أمر للناس ألا تؤذي هذا الذي صلى الصبح) ثم يقول: فمن قتله (أي قتل هذا الذي صلى الصبح) طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه..
حماية ربانية عظيمة لمن صلى الصبح..
أنت في حماية الله.. ومن آذاك طلبه الله عز وجل حتى أدخله النار..
تشعر بثقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصلياً للصبح..
تشعر بثبات أمام المحن.. وأمام المصائب.. وأمام الطغاة.. وأمام الجبابرة..
أنت في حماية مالك الملك وخالق الأكوان..
ماذا تريد أكثر من ذلك؟!
كل هذا بركعتين!!
ولكن هاتان الركعتان أثبتتا صدق القلب وقوة الإيمان.. ومن ثم فإن الله عز وجل يدافع عنك..
[إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور]
الخاصية السابعة: مؤتمر علمي إيماني!
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بأن يجعل صلاة الصبح فرصة لتعليم أصحابه كل الخير.. فكان كثيراً ما يجعل وراءها درساً، أو توضيحاً لمفهوم ما، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيراً لرؤيا، أو غير ذلك من أمور التربية..
لقد كانت صلاة الصبح بحق مؤتمراً علمياً إيمانياً راقياً جداً..
وهذه وسيلة من أهم وسائل التربية.. لأن القلوب تكون نقية في هذه اللحظات، والعقول متفتحة، والملائكة شاهدة، والبيت بيت الله، والكلام كلام الله، والحضور من المؤمنين الصادقين..
فرصة رائعة لزرع كل ما هو نبيل من عقيدة أو خلق أو فقه أو غيره..
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينوع المواد في هذا اللقاء حتى لا يصاب المسلمون بالملل..
فمرة يسأل أصحابه عن أحوالهم حتى يعلمهم في النهاية شيئاً ينفعهم، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوماً بعد صلاة الصبح فقال:
من أصبح منكم اليوم صائماً، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة
ولك أن تتفكر: متى استيقظ الصديق رضي الله عنه حتى يفعل كل ذلك؟!!
ومن ذلك أيضاً ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه عند صلاة الفجر:
يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة (تحريك نعليك)، قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي..
وأحياناً كان يقص عل أصحابه قصة لطيفة مشوقة تجذب الأسماع، وتوقظ من يداعبه النوم.. ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال:
بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلم! فقال: فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم، وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب، فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب: هذا استنقذتها مني فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري؟ فقال الناس: سبحان الله! ذئب يتكلم! قال: فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم
وأحياناً كان يلقي خطبة كاملة، أو موعظة بليغة يعلمهم فيها طرفاً من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.. ومن ذلك ما رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال:
أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة
والشاهد في كل هذا وفي غيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاطف أصحابه بعد صلاة الصبح ويعلمهم ويفقهم ويشرح لهم.. وكل هذه عوامل تشجع من كان في قلبه تردد أن لا يفوت صلاة الصبح.
الخاصية الثامنة: دورة تدريبية روحية يومية
كان صلى الله عليه وسلم يحفز الناس على البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح إلى شروق الشمس.. فيصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمن يومه..
وقد رأينا كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل الصلاة في الصبح نسبياً عن بقية الصلوات.. فيصلي المائة إلى الستين آية، ثم يتحدث إلى أصحابه في درس قصير، أو يلاطفهم بأسئلة، ثم فوق ذلك هو يحفزهم على الجلوس لذكر الله عز وجل إلى شروق الشمس..
روى الترمذي وقال حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة..
والحديث وإن كان البعض قد ضعفه إلا أن الترمذي حسنه وله شواهد جيدة في الطبراني، وشواهد أخرى كثيرة كما قال المنذري في الترغيب..
وكذلك روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسن..
أي تطلع طلوعاً حسناً..
ثم هناك أذكار الصباح الكثيرة التي كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم، ويحفز أصحابه عليها بعد الصبح وقبل طلوع الشمس.. وكلها من الأذكار العظيمة القيمة المليئة بمعاني الشكر والحمد والاستغفار والتسبيح واللجوء إلى الله والاعتماد عليه، وهذه بداية رائعة لليوم..
فعلى سبيل المثال ما رواه أبو داود عن عبد الله بن غنام البياضي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي، فقد أدى شكر ليلته
وكذلك روى البخاري والترمذي وأبو داود – واللفظ لأبي داود – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني
أضف تعليق
|