استغلال العشر من ذي الحجة
عبدالرزاق السيد
إن عمر الإنسان أيامٌ وليالٍ، إذا ذهب بعضه، ذهب كله، وعمر الأمة ما بين الستين والسبعين، فهو عمر قصير مقارنة بالأمم السابقة، وإن الله لا يظلم أحدًا؛ لذ فقد ضاعف لنا الحسنة وجعلها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، وجعل لنا نفحات ومواسم خير وطاعات يضاعف فيها الأجور، منها: العشر من ذي الحجة، إنها العشر المباركات التي يفصل بيينا وبينها ايام قلائل.
فالمؤمن الكيِّس الفطِن من يغتنم هذه المواسم، فأصحاب التجارة لهم مواسمُ لا يفرِّطون فيها، وأصحاب الزراعة لهم مواسم يزرعون فيها، فكيف بمن كانت تجارته مع الله، فهي التجارة الرابحة، وزراعته يجني ثمارها بالدار الآخرة؟
روى بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني: أيام العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني]، فمنهم من له نصيب من كتاب الله يجعل له ختمة أو ختمات، وآخر له حظ من صدقة أو صيام أو نسك؛ وقد أقسم الله بهذه العشر في قوله تعالىوقال ابن عباس وعكرمة أنها عشر ذي الحجة، وهو القول الصحيح .
لقد جمعت تلك الأيام العشر الخير من أطرافه، فهي خير الأيام وأعلاها مقاما أقسم بها الله _سبحانه_ في كتابه بقوله _تعالى_: : ? وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2]، إذ يقول جمهور المفسرين: إن مقصودها عشر ذي الحجة.
ورفع النبي _صلى الله عليه وسلم_ شأن العمل الصالح فيها أيما رفعة حين قال صلى الله عليه وسلم_: "ما من عمل أزكى عند الله _عز وجل_ ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى" رواه الدارمي عن ابن عباس وحسنه الألباني.
ومن الاعمال التي يستحب للمسلم ان يحرص عليها ويكثر منها في ايام العشر ما يلي:
1-الصلاة: يجب المحافظة على صلاة الجماعة، كما يستحب التبكير إلى الفرائض، فلايزال المرء في صلاة مادام ينتظر الصلاة، و يستحب كذلك الإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، فعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة) أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا عام في كل وقت، وفي هذه الأيام آكد.
2- الصيام: الصيام من أفضل الطاعات وأعظم القربات، وهو داخل في عموم الأعمال الصالحة في هذه الأيام فعن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر" أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وقال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحباباً شديداً.
3-التكبير والتهليل والتحميد: يقول الله -تعالى-: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيامٍ, معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام....}الحج(28) قال ابن عباس -رضي الله عنه-: الأيام المعلومات هي أيام العشر، كذا في تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى-.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من أيام أعظم عند الله -سبحانه- ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)[أخرجه أحمد في المسند[.
وقال الإمام البخاري -رحمه الله-: "كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران، ويكبر الناس بتكبيرهما". وقال أيضاً: "وكان عمر -رضي الله عنه- يكبِّرُ في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبِّرُ أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً".
4- صيام يوم عرفة: يوم عرفة من أعظم الأيام عند الله -تعالى-، وقد تفضل الله على عباده المسلمين بأن جعل صومه يكفِّرُ ذنوب سنتين كاملتين فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن صوم يوم عرفة: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) أخرجه مسلم في صحيحه
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
وهناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام، بالإضافة إلى ما ذكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
قراءة القرآن وتعلمه، والاستغفار، وبرُّ الوالدين، وتربية الأولاد، وصلة الأرحام والأقارب، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج المسلمين، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- وعدم إيذاء المسلمين، وصلة أصدقاء الوالدين، والدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهد،وإغاثة الملهوف، وغضُّ البصر عن محارم الله، والدعاءُ بين الأذان والإقامة، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الراتبة، وذكرُ الله عقب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف، والدلالة على الخير، والدعوة إلى الله، والدعاء للوالدين، وسلامة الصدر وترك الشحناء، والتعاون مع المسلمين فيما فيه الخير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|