المشرف العام
مقالات
الفوز بعطايا الله في رمضان
 
تمت الإضافة بتاريخ : 17/02/2024م
الموافق : 8/08/1445 ??

الفوز بعطايا الله في رمضان

د. عبدالله الزبير بكر

عند غياب أحد الأحبة عنا فترة زمنية، وذلك الحبيب وجوده يمثل لنا خيرًا وعطاءً كثيرًا، نستعد بتجهيز أنفسنا لحُسْن استقباله بكل ما أوتينا من قوة وبما يحب، وعلى نفس الشاكلة عند حدوث كأس العالم أو الأولمبياد يستعد الرياضيون ويقومون بعمل معسكرات وخطط وبرامج لتحسين اللياقة البدنية، والوصول بها إلى أعلى مستوى ممكن؛ ليؤدي الرياضي بأفضل أداء لاجتياز التصفيات المؤهلة وصولًا للبطولة والنهائيات، وذلك له استعدادات خاصة أخرى كبيرة للفوز.

ولا نتجاوز الحق والواقع أن الإسلام عقيدة ومعاملات وعبادات يبني شخصية إيجابية، رجالًا صدقين ما عاهدوا الله عليه، ويؤدي البناء الإيجابي للشخصية المؤمنة إلى جني أفضل الثمرات في الحق والخير والمجتمع الراقي كما تؤدي إلى النعيم المقيم في جنة النعيم بفضل من الرحمن الرحيم، ويصل الإنسان المسلم إلى أفضل النتائج، ويزيد من رصيد فوزه بتحقيقه للغاية من خلقه؛ وهي العبادة الصادقة.

كل ما فرضه الله سبحانه وكلف الإنسان به هو ليس بغرض التعب والشقاء؛ بل هو تطهير وتزكية وصفاء وانتقاء ووقاية بفعل أمر الله ولو كانت النفس البشرية ستتعب قليلًا؛ قال تعالى: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].

وكل فرائض الإسلام عبارة عن بطولة لرفع رصيد المسلم من الحسنات واختبار للمسلم في مقاومة الحرام والشيطان والنفس الأمَّارة بالسوء، وتدريب النفس على الطاعة، ولعلنا في الصوم كمثال هو عطاء من الله للمسلم للوصول إلى النهائيات، والفوز بجنة الرضوان، وزيادة رصيد الفوز من موجبات رحمة الله؛ حيث قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183، 184].

فالصيام وقاية وحماية للإنسان من الذلَّات والشهوات الناتجة من النفس الإنسانية عملًا بأمر الله، وهو هنا يمثل الإعداد الجيد للفوز بالحسنات، والبُعْد عن المُحرَّمات والسيئات، والوقاية من الوقوع في الموبقات والذلَّات والرذائل، والفوز بالجائزة؛ ألا وهي رضا الله، ففي الحديث القدسي: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: كُلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخُلُوف فَمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المِسْك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه))؛ رواه البخاري ومسلم.

وتلك الخصوصية الشديدة للصيام جعلت منه عبادةً ذات طابع إيماني خاص يستدعي منا الاستعداد والتخطيط والدعاء والتجهيز لاستقباله في شهر رمضان المبارك؛ لأن البطولة الحقيقية والفوز هو أداء رمضان كما أمرنا الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فرمضان هو أكبر سوق في العام، كله عطايا وهدايا ومغفرة ورحمة وعتق من النيران، ولا تتكاسَل وتقول: أين أنا من رمضان، باقٍ كثير؟ الصحابة الكِرام والسلف الصالح كانوا يقومون بتجهيز أنفسهم وقلوبهم قبلها بستة أشهر على الأقل، وكان دعاؤهم بقبوله ستة الأشهر الأخرى.

إن كنت تريد الفوز برمضان يجب عليك تجهيز نفسك وإعدادها من الآن كأنك عندك اختبار نهائي في دراستك وأكثر، كأنك داخل تلعب كأس العالم وأكثر، كأنك داخل على صفقة العمر وأكثر، اجتهد في تمرين نفسك على الاستيقاظ دائمًا، والاستعداد للتضحية بأي شيء في سبيل القبول أو الفوز بعطايا الله في رمضان، فاستعِدَّ من الآن، وإليكم مجموعة من الأفكار أدعو الله أن تساعدكم في الفوز ببركة رمضان وأبواب الجنة المفتوحة وأبواب السماء؛ ومن ثم الدعاء وأبواب الرحمة وتكفير الذنوب والخطايا والاتصال بالسماء والعتق من النار وغفران ما تقدَّم من ذنبك وليلة القدر.

في البداية تخيَّل معي أن رمضان القادم أول وآخر رمضان لك، فكيف تستعدُّ له لتعويض ما ضاع والاستفادة من النهاية بحُسْن الخاتمة؟ لا تُفكِّر فقط في عدد ختمات للقرآن، وكل الصلوات في الصف الأول والدعاء وقيام الليل والتراويح وترك المسلسلات والأفلام والأغاني وإضاعة الوقت و... و... و... ولكن ينتهي بك رمضان ولم تفعل ما تتمنَّى، لماذا؟ لأنك لم تكن مستعدًّا من قبله بأن بدأت في المواظبة على عدة بنود ومشروعات، دعونا نقترحها عليكم:

أولًا: القرآن، ابدأ في قراءة وِرْد ولو صغيرًا من الآن ويوميًّا وعلى مدار اليوم بعد الصلوات المكتوبة، واعتَدْ قراءة التفسير والتدبُّر.

ثانيًا: احرص على الصلاة جماعة، وفي الصف الأول لخمسة الأوقات.

 ثالثًا: ابدأ في محاولاتك لقيام الليل ولو بركعتين.

رابعًا: ابدأ في معرفة فقه الصيام من العلماء واحضر دروس العلم.

امسًا: ادعُ دبر كل صلاة بكل خير الدنيا والآخرة.

سادسًا: حاول الصيام وترتيب أداء البنود السابقة وأنت صائم.

سابعًا: اعقد العزم على البداية القوية في أول ليلة من رمضان واضعًا في نيتك أن تكون من أهله، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة؛ رواه الترمذي.

استخدم الاستراتيجية التالية وأجِب ونفِّذ، اسأل نفسك:

لماذا سأصوم؟ كيف سأصوم؟ لمَنْ سأصوم؟ متى سأصوم بأخلاص؟ هل أنا صائم؟ ما عيوبي التي أريد تغييرها بالصوم؟ هل سيغير رمضان حياتي وسأقلع عن المعاصي، وأستمر في الطاعة بعده؟

يجب عليَّ القيام بثورة على نفسي لأتغيَّر وأُجدِّد النية، وأعقد العزم من الآن ليكتب لي الأجر حتى لو مت آخر شيء.

في البداية إن أول وأهم شيء هو الإقلاع عن الذنوب والخطايا بتوبة شاملة عن كل المعاصى؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

إياكم واليأس، ارجع إلى ربك ولا تخف، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].

تذكروا دائمًا أن الله أعطاكم في شهر رمضان عن غيره من الشهور كثيرًا من الخصائص والفضائل؛ منها:

• خُلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك.

• تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.

• يزين الله في كل يوم جنته ويقول: ((يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك)).

• تصفد فيه الشياطين.

• تُفتَح فيه أبواب الجنة، وتُغلَق أبواب النار.

• فيه ليلة القَدْر هي خيرٌ من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله.

• يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان.

• لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.

فعليكم برباعية (الصيام والقيام والقرآن والدعاء) ورباعية أخرى في العبادات (المجاهدة ثم التعوُّد ثم الثبات ثم التذوق) ومن ذاق عَرَف، ومَن عَرَف اغترف، وعليك بثلاثية في الحياة (العطاء، والابتسامة، والتفاؤل) ولا تنسَ الصدقات وإفطار الصائم والدعاء لإخوانك المسلمين بظاهر الغيب ولك بالمثل.

اللهم بَلِّغنا رمضان، واجعلنا فيه من الفائزين، وانصر إخواننا في الأقصى وغزة وكل بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

         أضف تعليق