المشرف العام
مقالات
الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها
 
تمت الإضافة بتاريخ : 06/02/2022م
الموافق : 4/07/1443 ??

الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها

عبدالله ضيف الله الرحياي

تعريف الخُلُق:قد شاع بين الناس تصورات وتعريفات للخلق ليست صحيحة، والتعريف الصحيح للخُلُق الذي تشهد له نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ويشهد له الواقع، هو تعريف الجرجاني: الشريف علي بن محمد، حيث قال:

 

     الخُلُق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسْرٍ من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلًا وشرعًا بسهولة، سميت الهيئة خُلُقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر خُلُقًا سيئًا. وإنما قلنا: إنه هيئة راسخة؛ لأن مَن يَصْدر منه بَذْل المال على الندور بحالةٍ عارضة، لا يقال: خُلُقه السخاء، ما لم يَثْبُتْ ذلك في نفسه.

 

     وكذلك من تكلّفَ السكوت عند الغضب بجهدٍ أو رويّة لا يقال: خُلُقه الحلم.

 

     وليس الخُلق عبارة عن الفعل؛ فرب شخص خلقه السخاء، ولا يَبْذل: إما لفقْد المال، أو لمانع. وربما يكون خُلقه البخل، وهو يَبذل لباعثٍ أو رياء(1).

 

     وهذا التعريف يتفق مع قوله-صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات...»(2) ومع حُكْمِهِ على رجل أَبْلَى بلاءً حسنًا في القتال مع المسلمين بأنه في النار، وذلك لعدم إرادته بقتاله وجه الله، ومثل ذلك ما جاء من النصوص الشرعية المتكاثرة في عدم قبول أعمال المنافقين والمرائين.

 

     ومن فوائد الوقوف على التعريف الصحيح للخلق هذا، أن يراعيه الإنسان في تقويمه لأخلاق نفسه، فلا يكتفي بصلاح أعماله في الظاهر حتى يطمئن إلى سلامة البواعث والدوافع التي بسببها عملها.

 

طرق اكتساب الأخلاق:

 

     من فوائد معرفة طرق اكتساب الأخلاق الحميدة استثمارها، ومحاولة تطبيق ما يمكن أن يطبّقه المرء من ذلك في محاولةِ الوصول إلى فضيلة اكتساب الأخلاق الحميدة والتحلي بها.

 

     ولعل أهم طرق اكتساب الأخلاق الحميدة ما يلي:

 

     1- معرفة الأحكام الشرعية في المعاملات وأحكام الأخلاق واستحضار وجوب الواجب وحـرمــة الحـــرام؛ فإن هـذا هـو الوسيلة الأهم في الموضوع.

 

     2- التدريب العمليّ والرياضة النفسية.

 

     3- الحياة في بيئة صالحة.

 

     4- القدوة الحسنة.

 

     5- الضغط الاجتماعيّ من قبل المجتمع المسلم.

 

     6- سلطان الدولة المسلمة(3).

 

     7- التعرف على القواعد الأخلاقية وعلى أهمية الأخلاق الفاضلة وعلى أهمية تحصيلها، ووسائله، والتعريف بها.

 

     8- التعرّض لتربية المربين، وقبول ما عندهم من الخير ومكارم الأخلاق.

 

     9- اتّخاذ أخٍ صالح ناصح متحلٍ بالأخلاق الحميدة يُنبّهه على أخطائه في السلوك والخُلُقِ، ويساعده على إصلاح نفسه.

 

ثالثًا: الأسس التربوية العامة لتقويم الأخلاق:

 

     لعل أهم الأسس التربوية العامة لتقويم الأخلاق ما يلي(4).

 

     1- التدرج في البناء التربوي؛ لأن التربية ليست عملية تحويل مفاجئ دفعة واحدة.

 

     2- معاملة كل نموذج طبعيّ بما يناسبه ويلائمه من وسائل التربية، ومعاملة كل حالة نفسية بما يلائمها؛ لأن طبائع الناس وحالاتهم النفسية مختلفة، فلا بدّ من مراعاة ذلك في طريقة التربية والتعامل معها، والنبي –صلى الله عليه وسلم- قد أعطى أُناسًا من غنائم حنين وترك آخرين، مراعاة لهذا الأصل.

 

     3- تصيُّد المناسبات الملائمة للتوجيه التربويّ.

 

     4- الرعاية الشجرية، فالشجرة إذا تُركت وشأنها نمتْ نموًّا عشوائيًا، بخلاف ما إذا امتدتْ إليها يد الرعاية بالسقي المستمر والتهذيب، فإنها تنمو نموًا آخر. وهكذا الطبائع البشرية تحتاج إلى مثل هذه الرعاية حتى لا تنشأ نشأة فوضوية عشوائية.

 

     5- التوجيه والتحويل. والمقصود توجيه الطبائع البشرية وتحويلها نحو الخير، وليس القضاء عليها(5).

 

     6- التصعيد، وهو نوع من التوجيه والتحويل، والمقصود به: تحويل التطلع الإنساني، عن الصغائر والدنايا، وتوجيهه نحو معالي الأمور وما فيه سعادته في الدنيا وفي الآخرة.

 

     7- المزاحمة والتضمير، وذلك بغرس العنصر المزاحم للطبع أو العادة غير المناسبين، عن طريق تكوّن العادة المطلوب تربيته عليها.

 

     8- إيجاد الحافز الذاتي، الذي يدفع صاحبه إلى التحلي بمكارم الأخلاق.

 

ولإيجاد الحافز الذاتي عدة طرق، منها:

 

     1- طريق الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره.

 

     2- طريق استشعار الأحكام الشرعية، وأنها أحكام الله تعالى، وما تؤول إليه عاقبة اتّباعها أو مخالفتها من جنَّة أو نارٍ.

 

     3- طريق الإقناع الفكري.

 

     4- طريق الترغيب والترهيب.

 

     5- طريق تربية الوجدان الأخلاقي.

 

     وليس المقصود التخيّر من هذه الطرق، وإنما الأخذ بها كلها.

 

     وبعدُ فإليك مقتطفات مختصرة من أقوال السلف ومواقفهم في الأخلاق.

 

رابعًا: الأخلاق في أقوال السلف ومواقفهم:

 

     يتسع المجال كثيرًا لمواقف السلف الصالح وأقوالهم في الأخلاق مدحًا لممدوحها والتزامًا به، وذمًّا لمذمومها وابتعادًا عنه. ولا يمكن في مثل هذا الموضع استيعاب الحديث عن ذلك، ولكن حسبنا شذراتٌ موقِظاتٌ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ومن ذلك ما يلي:

 

     أ - من أقوالهم في الأخلاق:

 

     - ما جاء عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: إن نُؤَبَّنْ أي نُتّهم بما ليس فينا فطالما زُكِّينا بما ليس فينا. قالته لمّا قيل لها: إنّ رجلًا نال منك عند عبد الملك بن مروان!.

 

     - وقال يحيى بن أبي كثير: الذي يعمله النمام في ساعة لا يعمله الساحر في شهر(6).

 

     - وقال الزبير بن عبد الواحد: سمعتُ بُنانًا يقول: الحُرُّ عبْدٌ ما طَمِع، والعبد حُرٌّ ما قَنِعَ!(7).

 

     - وقال الإمام ابن حبان:... فمِن الناس من يكون أكرم من أبيه، وربما كان الأب أكرم من ابنه، وربما كان المملوك أكرم من مولاه، ورُبّ مولىً أكرم من مملوكه(8).

 

     - وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى متحدثًا عن معنى من معاني الرحلة:

 

     ومن تعذّرتْ عليه الرحلة منكم ببدنه، فليرحل إلى الله تعالى بقلبه، ولا يَظن أحد أن الرحلة تفيد بصورتها؛ كم راحل قرأ وما قرأ، وروى وما درى، ولم يتحصل له كيف ولا أين؟ فعاد على ظهره بحُنَيْن، دعْ خفيه الاثنين.

     أضف تعليق