fiogf49gjkf0d فضل الشجرة والزراعة
جاءت كلمة شجرة في القرآن الكريم مفردة في نحو تسعة عشر موضعا ومجموعة في نحو ستة مواضع ، أما كلمة زرع ومشتقاتها فوردت في نحو ثلاثة عشر موضعا .
أما في الأحاديث النبوية فورد ذلك في مواضع كثيرة .
ومن اهتمام الإسلام بالشجرة ، ولفت الأنظار للعناية بها أنه حتى في الجزاء على الأعمال الصالحة يوم القيامة قد ذكر الشجر على أنه مثوبة مكافئة لبعض الأعمال الخيرة من المؤمن وذلك لما في الشجرة من النفع والجمال ، واكتمال النعمة ، ففي الحديث . عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قال سبحان الله العظيم وبحمده ، غرست له نخلة في الجنة " ، وفي رواية " شجرة " .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وبلغ اهتمام الإسلام بالشجرة حدا لا يعرف له مثيل في شريعة سابقة ، ولا في قانون وضعي وحسبنا أن نعلم أن الخلفاء وهم أعلى سلطة في الدولة الإسلامية ، كانوا يوصون أمراء الأجناد والجيوش عندما يبعثونهم للقتال بالمحافظة على الشجرة وخاصة الشجرة المثمرة ، مثلما يأمرونهم بالمحافظة على أرواح الأبرياء ممن لا علم لهم بالحرب ولم يشاركوا فيها : " لا تعقرن نخلا ولا تحرقنها ولا تعقروا البهيمة ، ولا شجرة ثمر ، ولا تهدموا بيعة ، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء " ومن المعلوم أن الوصية في مثل هذا الموطن إنما تكون بالأمور الهامة التي تعتبر من مواد الدستور العام ، وبالأمور التي تحقق عوامل النصر على أعداء الله .
فهل عرف من قبل التحييد للشجرة ، والحيوان الأعجم مما يملكه العدو ، وإبعادها عن ميدان المعركة لكونهما عنصري خير ونفع للبشر ؟ !
ولم يأذن الإسلام بقطع الأشجار المثمرة إلا في حدود ضيقة أشبه ما تكون بالضرورة التي يلجأ إليها للضغط على العدو المعاند المصر على القتال ، حتى إن بعض الفقهاء منع ذلك مطلقا ، وحمل ما ورد في ذلك على حالة خاصة لا تتعداها .fiogf49gjkf0di-theme-font: minor-latin; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi">
قال الحافظ ابن حجر : قوله - أي البخاري : ( باب قطع الشجر والنخل ) أي للحاجة والمصلحة إذا تعينت طريقا في نكاية العدو ونحو ذلك ، وخالف في ذلك بعض أهل العلم ، فقالوا : لا يجوز قطع الشجر المثمر أصلا ، وحملوا ما ورد من ذلك : إما على غير المثمر ، وإما على الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع منه القتال ، وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور ومن محافظة الإسلام على الشجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قضاء الحاجة والتخلي في ظل الشجرة التي ينتفع بظلها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اتقوا اللعانين ، قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم".
ويقاس على قضاء الحاجة رمي القمامات والأوساخ ، والمياه النجسة والمتقذرة وغير ذلك مما يحول بين الناس وبين الانتفاع من الظل .
وقد دعا الإسلام إلى تكثـير الشجر لما فيه من المنافع المتعددة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن قامت الساعة وفي يـد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسهـا فليغرسها" .
ففي هذا الحديث حث على غرس الأشجار المثمرة عامة وإن كان المذكور فيه النخل .
كـما أنه يشـير إلى ضرورة العناية بالزراعة والعمل في الأرض ، وأنه لا ينبغي أن ينقطع العمل في إعمار الأرض ، والإفادة من خيراتها .
قال الأستاذ محمد قطب تعليقا على الحديث : والعمل في الأرض لا ينبغي أن ينقطع لحظة بسبب اليأس من النتيجة فحتى حـين تكون القيامة بعد لحظة ، حين تنقطع الحياة الدنيا كلها . . حتى عندئذ لا يكف الناس عن العمل ، وعن التطلع إلى المستقبل ، ومن كان في يده فسيلة فليغرسها . وروى البخاري في كتاب الأدب المفرد عن داود بن أبي داود الأنصاري قال : قال لي عبد الله بن سلام : إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية - أي فسيلة - تغرسها فلا تعجل أن تصلحه ، فإن للناس بعد ذلك عيشا.
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي : أعزم عليك أن تغرس أرضك فقال أبي : أنا شيخ كبير أموت غداfiogf49gjkf0d . فقال عمر : أعزم عليك لتغرسنها ، فلقد رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغرسها بيده مع أبي .
ولعل مما يشير إلى استحباب تكثير الشجر ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له أن يشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة .
وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة المحافظة على الأشجار والبساتين من قبل أهلها ، ومن قبل أصحاب الماشية ليلا ونهارا .
عن حرام بن سعد بن محيصة الأنصاري ، عن أبيه عن البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقضى بأن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها ، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها ، قال الخطابي رحمه الله : " يشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا لأن في العرف أن أصحاب الحوائط ، والبساتين يحفظونها بالنهار ، ويوكلون بها الحفاظ والنواطير ، ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل ، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع " .
ومن فضل الزراعة والعمل في الأرض الاشتغال عن الناس ، والتنزه عن عيوبهم والبعد عن قيلهم وقالهم ، خاصة إذا كان الإنسان ممن لا يملك القدرة على الإصلاح والإنكار ، قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره : ( إن الاشتغال بالعمل فيها - أي الأرض - والاستغناء عن الناس بما يحصل فيها من القرب العظيمة ، مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي - لا سيما في مثل هذا الزمان - سم قاتل ، وشغل عن الله شاغل ، وذلك إذا لم يكن في الإقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد ) .
ومن فضل الزراعة أن الأجر يحصل للغارس والزارع ، وإن لم يقصدا ذلك حتى لو غرس وباعه ، أو زرع وباع ذلك الزرع كان له بذلك صدقة لتوسعته على الناس في أقواتهم كما روي في حصول الأجر للجالب ، وإن كان يفعله للتجارة والربح .
وقد ذكر غـير واحد من العلماء أن الأجر يحصل للمزارع بما يولد من الغراس والزرع ، كذلك وإن أجره مستمر ما دام الغرس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة ، وحتى لو انتقل ملكه إلى غيره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |